الايزيديون والتخبّط بين الايمان المفقود والكيان المنشود ؟!.
جهور سليمان
حقيقة سخّرت كثيرا من اوقاتي بل سنينا من عمري وانا اتابع الشأن الايزيدي من الناحية التاريخية والاجتماعية والدينية والسياسية وغيرها ومارست شخصيا بعض النشاطات في هذا المنحى ، وتمكّنت من خلالها وحسب امكانياتي المتواضعة ان اتمكن من اجراء دراسة وتحليل مستندين على المقارنة مع غيرها من اديان العالم ، تمكّنت الوصول الى جملة من الحقائق واعتبرها انا بمثابة ثوابت وبديهيات ذات ادّلة دامغة لاتقبل الشك بالنسبة لي.
اولا يجب ان نعترف جميعا ـ لايستثنى كاتب المقال ـ باننا كنّا نسير في مسلك خاطئ كلّيا ومازال معظم الاخوة الزملاء من مهتمي هذا الشأن، يصرّون ويلحّون علي ذات النهج املا منهم في ترسيخ قيم ومبادئ الايزدياتي ويناشدون من اجل كيان ايزيدي دون الوقوف ولو ساعة واحدة على نتائج ماحققوه او الاستفادة من اخطائهم.
قبل الخوض في التفاصيل والاجابة على سؤال مشروع للسائل الكريم عن ماهية هذا النهج الخاطئ، انحني قليلا الى تجارب الاديان الاخرى ، لنأخذ اليهودية نمطاً:
ما سر تمكّنهم من الحفاظ على وجودهم وكيانهم ضمن الظروف القاهرة الماضية والآنية ؟!
والانكى من هذا والسؤال الذى يذهل الذهون ما سر حقيقة تاريخية وحاضرة ، الا وهي احتكار قمة العلم والراسمال العالمي بايدي اليهود والابعد من كل هذا والسؤال الذي يخطر البال ما سر امر رهيب وهو استعدادهم اللامحدود من تسخير هذه الامكانيات، والتضحية باغلى مايملكون وحتى احيانا بشرفهم وعرضهم من اجل دينهم ولحساب قضيتهم .
ان الانسان يحمل الكثير من الاسرار الغامضة، مثله مثل هذا الكون اللامتناهي ـ زمكانيا وخوارقيا ـ من احد هذه الاسرار انه لديه طاقة كامنة هائلة يمكن تصل حد الخوارق ان توفرت الحجج والاسباب التي تمكّن من تفعيل الية لتحريرها.
ولحد الان لم تتمكن البشرية ايجاد وسيلة اقوى من الايمان لتحقيق ما ينوي تحقيقه الانسان .
الايمان بالعقيدة،بايديولوجية معينة،بالحب،بالدين،بالمبدأ،بالعلم ، بنظرية اوفكرة،الخير،الشر، التارخ ، المستقبل ، الحرية ، الديمقراطية، العدالة، حقوق الانسان والى اخره.
ليس منطقيا ان يسلك هؤلاء جميعا هذا النهج ويقدّمون كل ما لديهم من اجل دينهم او على الاقل من اجل قضيّتهم دون دوافع قوية.
ان حالتنا نحن الايزيدية لاتختلف كثيراعنهم بل انهم مرّوا بظروف موضوعية ربما هي اقسى نوعا ما ، حيث انهم تعرّضوا ايضا الى اضطهادات عديدة عبر تاريخهم القديم والحديث و طشّروا في جميع بقاع العالم فاقدين الوطن والارض ولكنهم لم يفقدوااملهم وسعيهم الى ارجاع كيانهم مستقّين دفعهم من ايمانهم المطلق بدينهم وعقيدتهم وبالتأكيد ان من يؤمن بها فهو نابغ عن قناعته بفحوى وماهية لاهوتها وفلسفة هذه الديانة وليس عبثا او طراءً .
اما نحن لدينا الارض ـ على الاقل حاليا ورغم خشيتي من ضياعها ـ ولكنّنا فقدنا الايمان او معرفة حقيقة عقيدتنا ـ لاسباب لاانوي الخوض في تفاصيلها ـ لتكون السبيل الى الايمان وتلك العقيدة كانت يوما السند والاساس لصمود اجدادنا وسط الامواج العاتية في محيطهم وزمانهم، ولايعقل ان يقدم ويضحّي الانسان باغلى مايملكه من غير ايمانه المطلق بدينه وعقيدته .
اذن صمدوا اجدادنا واحتفظوا بديانتهم وارضهم معا ورغم جهلهم وقساوة الظروف الموضوعية المحيطة بهم .
ولكن اخشى ما اخشاه هو ان نفقد ( العصفور والخيط معا كما يقول المثل ) اي نفقد الدين والوطن معا.
والان نرجع لنتحدّث شيئا عن نهجنا الفاشل الانف الذكر في المقدمة وباعتراف صريح منّي وكنت الى يوم قريب جزءا من هذا السلوك، وانا لاانكر الامكانيات والكفاءات والمهارات العالية التي يمتلكها اخوتي وزملائي وشجاعتهم واستعدادهم لتسخيرها في قضية بني جلدتهم وانني على يقين بان الانقاذ والخلاص تكون على ايديهم ولاغيرهم ـ لانهم اقل ما يقال عنهم انّهم يؤمنون بقضية غبن حقوق فئة من البشرـ وان الامر ليس بالمستحيل، ولكن لنكن صريحين مع ذواتنا وانفسنا م ونسأل السؤال الجدلي المهم،
من هم الايزيديون من غير الايزيدياتي ؟
وما ذا تعني الايزيدياتي من غير تحديد اطر وجوهر فلسفتها ولاهوتها وماهية وحقيقة هذه الديانة ؟
اخوتي الاعزاء :
اذن لنأتي الى الانتماء ونحدد ملامحه ومعالمه ونوعه، انا استطيع ان اجزم وهذه هي الحقيقة والحقيقة مرة ويؤلمني وانا اقول ، ان انتماءنا الى الايزيدياتي قائم على اساس عاطفي اجتماعي موروثي وتاريخي اوالايمان بقضية ـ مجهولة هوية اصحابها وجوهرها ـ ، وهذه العوامل في اعتقادي ليست بالكفاية ان نسميها مقومات ديانة او عقيدة بمستوى الايزيدياتي ولاتؤدي السبيل الى الكيان المنشود، لابسط سبب هو افتقاره ـ الانتماء ـ الى قوة الايمان الحقيقية والفعلية.
لابل في بعض الاحيان لمثل هذه الحالات تأثيرا سلبيا انعكاسيا على معظم افراد المنتمين لهذه المجموعة، سيّما نحن نعيش في دول شرقية للاسف تحكم هوية انتماء الفرد الاثنية والدينية والانتساب الى الاقلية والاكثرية على حقوقه وواجباته.
وهذا ما نراه فعلا في وضع الايزيديين حيث نلاحظ حالة التشرذم وعدم التكاتف، وعدم الاستعداد على التضحية، فقدان الثقة بينهم،الحسد، الكراهية،واستغلال الايزدياتي ـ الذي يعرفها ـ في خدمة مصالحه الخاصة ، او اعتبارها منبرا للبروز والشهرة او ساحة لممارسة هواياته وتسليته والكثير من الصفات السلبية التي لاتعد ولاتحصى.
كتب العديد من الاخوة عن حالتنا المأساوية ورجّح اسبابها الى موضوعية ؛سياسية،اقتصادية،ادارية،وغيرها وهناك من الاخوة من ذكر عامل ازمة القيادة وغيرها من الاسباب، نعم هذه جميعا عوامل تؤثر سلبا ولكن الاهم والاولى ان نحدد انتماءنا وهويته قبل ان نبحث عن حقوقنا.
اذن لنطرح السؤال المحوري هل المطالبة بحقوق ام تحديد هوية انتماءنا اولا ؟.
انا اوؤكد وانني على يقين تام ومطلق لا حقوق من غيرهوية او كيان ولا الاثنين معا من غير انتماء فكري عقائدي وايماني لهما ، وان كان عكس ذلك فهو مرحلّي واني وتسيّسي او عاطفّي ومصيره الزوال ولايقاوم الحتمية الواقعية الزمانية . وهذا هو جوهر وتشخيص الاسباب الحقيقية من فشل نهجنا الذي ذكرته، ويمكنني القول ان مثلنا مثل من يريد ان يؤسس حزبا من غير ايديولوجية،او جيشا من غير عقيدة،او بناءً من غير اسس بل بناء طابق ثاني وثالث من غير الاول، او تطبيق تقنية من غير نظرية علمية والى غيره من الامثلة.
لنضع نصب اعيننا ما آل بمن قام بتسيس وتحزيب الدين ـ علما بان البعض منهم لدّيهم حقيقة تعاليم واسس دياناتهم ـ وكيف باتت في ادراج الرياح لموكب الحضارة الانسانية.
هنا رب من يسأل او يتهمني باني ذو نظرة تشاؤمية ، او يسأل عن وجهة نظري حول الحلول المقترحة .
فأقول لكم اعزائي وهذا حسب اعتقادي وقناعتي بل لاريب في قينونتها، باننا ان لم نتمّكن من البحث والمواصلة في ايجاد لاهوت وفلسفة ديانتنا الحقيقية، ومدى الايمان الفكري العقائدي بها وتحديد شكل وقوة وجودنا وكياننا وحجم الانتماء على هذه الاسس، فلا داعي ان نكلف انفسنا للبحث والمطالبة بحقوق لكيان مجهول الهوية، فان شعور الانتماء. والنابع من الازمات النفسية وردود الافعال السلببية من محيط قاس سواء كان حاليا ام في الماضي. او جعل الايزدياتي رهينة الافكار السياسية او القومية او الاجتماعية اوجعلا ظلا وردود افعال سلوكيات بيئية مريضة وسيئة فهذه تعد اجحافا بحق هذه الديانة العريقة العظيمة الطاهرة. لم تكن الايزدياتي يوما حكرا على قومية ـ المصطلح الذي لااساس له في المعاجم الاصيلة بل ظهر من قبل بعض الاسلاميين مؤخرا لجعلها اداة التحرر من النير العثماني وقلّده اخرون وللاسف ـ والا ماذا تفسّر اعتبار الايزيدية قضيب البان،بليل الحبشي(بلال الحبشي)،بايزيد الباصطامي،العبد الاسود ـ مزاره في قرية كندالة ـ،الشيخ عنتوش ـ في عين سفني ـ ، ( شێشهمسێ تهتهری ) ، ( پيركێ خهوشابهی ) في الشيخان، الحلاج، ذنون المصري، الشيخ عدّي الشامّي،عبد القادر الكيلاني وغيرهم كثيرون عليهم جميعا السلام.والانكى من هذا والامر المدهش في دياتنا هو الانتماء الى الايزيدياتي احيانا يتجاوز حتى الحدود الدينية الظاهرية لغير الاديان اي بما معناه هناك من هو مسلم او مسيحي او يهودي في ديانته الظاهرية ولكننّا نعتبره ايزيديا في ديانته الحقيقية بل نعتبره من الاولياء والصالحين وهذه ظاهرة فريدة من نوعها.
ولكن هل يبقى هذا الشعور لدى اطفالنا والاجيال القادمة ؟
وكما نعلم جيدا وكلما تتقدّم الحضارة تخلق اجيال تؤمن ـ ان كانت تؤمن ـ بما يعلم والسؤال الذي لا يلقى اجابة منطقية لايأخذه نهجا في حياته. وبناءً على هذه المعطيات وغيرها ن العوامل كالهجرة والاقامة في بلدان المتقدمة والمتطوّرة ، تبقى لدى الاجيال القادمة فقط ـ ان بقى ـ الشعور بانتماء الى تاريخ مشترك وحسب.
ان في اعتقادي على كاهل وعاتق هذا الجيل والطبقة المثقفة منه على وجه التحديد والمهتمة بهذا الشأن مهمة صعبة جدا وانها ليست بالمستحيلة، وانه يعتبر المفصل الذي يحدد بقاء الايزيدياتي وبشكل لايعارض او يقاطع موكب الرقي الانساني او الانصهار والزوال الحتميتين.
وكما نعلم فتح الاخ الباحث والكاتب هوشنك بروكا على صفحات الاعلام الالكترونية قناة حوار وابداء الرأي وبصيغة حضارية،
مشكورة جهوده الوثابة الحالية والسابقة بالتأكيد، ولكنني كنت اتمنى ان يكون الحديث عن بقاء الايزيدياتي عن عدمه لانه هو الاساس من تكوين ما يسمّى بالايزيديين قبل الحديث لحقوق وواجبات الاخير، نعم بالحوار والحوار فقط نصل الى القناعات والحلول المقنعة والمرضية، ونأمل ان تكون رسالتنا وطرحنا هذا قد اسعد من قرأها.
جهور سليمان ـ المانيا ـ 11ـ03ـ2008