يوم جمعتني الظروف مع بوش ورامسفيلد :
احمد حسن الصائغ
عامان مضت على ذلك اليوم . عندما جمعتني الظروف مع بوش ورامسفيلد وشخصيات امريكية اخرى. حيث كنت مدعوا لحفل عشاء اقامته السفارة الامريكية في بغداد, لمناسبة تحرير العراق.!!!
كان من ضمن المدعوين الامريكيين, بوش الاب. وكلينتون ومادلين اولبرايت وكوندليزا رايس وولفووفتر, وعدد من كبار اصحاب القرار الامريكي. اما من الجانب العراقي فقد كان جميع الساسة, من اللاعبين في الشأن العراقي حاضرين. يوزعون ابتساماتهم البلهاء هنا وهناك. بمناسبة او بدونها. مع شعور كامل بالخضوع للمضيف.
الجميع كانوا يجلسون على موائد دائرية وزعت بأناقة على ارجاء القاعة الفخمة, الشبيه بقاعات فنادق الدرجة الممتازة. اجواء ساحرة وعطور راقية تعم المكان, وموسيقى هادئة تنبعث من ارجاء القاعة الاثيرة.
واحدة من غرائب تلك الليلة, ان المائدة القريبة من مائدة جورج بوش
كان يجلس عليها السفير الايراني بصحبة عدد من اعضاء سفارته في بغداد .منظر غريب اخر كان عند بعض الموائد حيث مجموعة من السياسيين المعتمرين للعمائم السوداء والبيضاء قد جلسوا جنبا الى جنب, وسيماء البراءة تطغى على وجوههم الملائكية التي لايحلوا لهم اخراجها الا لأولياء نعمتهم. اما العراقيون البسطاء فلا يرون منهم سوى وجوههم الطائفية العابسة على الدوام.
شعور غريب كان يسيطر علي ذلك اليوم, فقد كنت اشعر بالعار يجلجلني من رأسي الى اخمص قدمي, يرافقه طعم مر في فمي كلما تذكرت عمالتي لهولاء .ويزداد هذا الشعور مرارة كلما صعد احدهم الى المنصة الرئيسة, ليتفاخر بمنجزات بلده العبقرية في العراق, ويستمر الحديث عن الحرية والديمقراطية والقضاء على الدكتاتورية,والمستقبل الواعد(المنتظر) الذي ينتظره العراق والعراقيون. هذا ما كرره جميع الساسة الامريكيون والعراقيون والايرانيون.
وقد بلغ غيضي قمته عندما نهض ولفووفتر (ذلك المخلوق الاقرب الى القرد منه الى الانسان ) ليتحدث عن دور بلاده في تحرير العراق
كان السفير الايراني ينظر اليه شزرا مع ابتسامة صفراء, وكأن لسان حاله: يقول (افعلوا في العراق ما شئتم فانه في النهاية سيصب في مصلحتنا نحن الايرانيين) في تلك اللحظة انتبهت الى نفسي قائلا: مهلا.
وما ان نطقت تلك الكلمة حتى توقف كل الاحياء في تلك القاعة.
وكأنه فلم سينمائي قد توقف.
بعضهم توقف وهو يهم بالتهام قطعة لحم معلقة بشوكة تحملها يده. والاخر توقف وهو يومئ بكأسه الى فتاة كانت تجلس على مائدة مجاورة له.
لم يكن في القاعة شي يتحرك سواي, وضميري الذي ينازعني الجدال.
ما الذي اتى بك الى هنا؟ كيف رضيت ان تكون واحدا منهم؟ كيف تشترك معهم في جريمة تمزيق العراق؟ ارضيت لنفسك ان تكون واحدا من هولاء الذئاب المستلذين باللحم العراقي الذي شظته اسلحتهم المدمرة؟. وكيف تستمرئ الطعام مع ذلك السفير الايراني المسعور المسؤول مناصفة مع الامريكيين, عن كل المجازر الطائفية البغيضة التي شهدتها ارض العراق.
عندها نهضت من مكاني وصرخت بأعلى صوتي : انا ارفضكم جميعا ايها الساسة الامريكيون والايرانيون والعراقيون .انا لست واحدا منكم. انا لا ارضى لنفسي ان انزل الى مستواكم.
امسكت بكاس كان على مائدتي وضربته بكل قوة على الارض. ومع صوت تحطم الكاس عادت الحياة للجميع, ونظرة استغراب مع ابتسامة هازئة ترتسم على وجوهم.
عندما صرخت مرة اخرى بوجوهم. بصوت اخترق جهات القاعة الاربع. قائلا: (انا لست عميلا لاحد... انا وطنـــــــــــــــــــي)
وما ان نطقت كلمة وطني. حتى تحولت اجساد الحاضرين الى شظايا زجاجية متناثرة, مالبث ان تحولت الى دخان... دخان كثيف.. كثيف جدا.
حتى انعدمت الرؤية في القاعة.
كانت رائحة الدخان شبيه برائحة انصهار سلك كهربائي.
قررت ان انتظر في القاعة حتى ينجلي الدخان.
شيئا فشيئا بدأت الرؤيا تتضح..
حينها وجدت نفسي على سريري داخل غرفة نومي.. وبقايا الدخان ورائحته تملأ المكان.
ما هذا ماذا حدث؟؟؟؟؟
اووه انه جهاز التبريد.. الدخان ينبعث منه. سريعا هرعت الى زر الكهرباء لافصل التيار عنه. وفتحت الشبابيك ليخرج الدخان. عندها فقط ادركت ان مارأيته كان مجرد كابوس.
كابوس ... هاهاها...
الحق الحق اقول لكم , ان مارأيته في الكابوس جعلني ارثى لحياة اولئك
الساسة العراقيين, الذين ارتضوا ان تكون حياتهم كابوسا يرافقهم الى الممات .ان الحرية وراحة الضمير اعظم عندي من كل ما تملكون اعظم من ارصدتكم المخزنة في كبرى المصارف العالمية. واعظم من مناصبكم .واعظم من قصوركم وحمايتكم. فأن كل ما انتم فيه اليوم هو مجرد حلم, سرعان ما تصحون منه. ولكن سيبقى عاره يلاحقكم الى الابد. ال امن عمل منكم بضمير ( وهولاء فيكم اندر من الزئبق الاحمر).