أقـــلام حـــرّة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أقـــلام حـــرّة

منتـــدى أقـــلام حـــرّة تهتـــم بالشــــأن الأيــــزيـدي والعراقي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 العنف والمقدس

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد الرسائل : 247
تاريخ التسجيل : 26/07/2007

العنف والمقدس Empty
مُساهمةموضوع: العنف والمقدس   العنف والمقدس I_icon_minitimeالخميس 27 نوفمبر 2008, 01:19

العنف والمقدس

سامي فريدي
wf.sanharib@yahoo.com
ا
قتل الحيوانات وافتراسها أو استخدامها طعاما، كان أول ممارسة للقتل في التصور التاريخي، يضع (الحاجة) على رأس العوامل الدافعة للعنف والقتل. يليه التوجس بالخطر والشعور بـ(الخوف) من المقابل. أما الدافع الثالث للقتل فكان (الحسد والغيرة) عندما قتل قابيل أخاه هابيل. ولا زالت هذه العوامل الثلاثة في مقدمة الأسباب الدافعة للعنف أو القتل. هذه العوامل لم تتعرض للألغاء بفعل التحضر أو ما يسمى بالتمدن، وانما تم استيعابها وأدلجتها وإعادة انتاجها في التقليد الاجتماعي والديني للثقافات المختلفة. ويبقى ربط العنف بالمقدس والإلهي آخر بدع العقل الصافي.
لقد قدمت ديانات متعددة، كتابية أو قبلكتابية، الإله في صورة الجبار الغاضب الذي يعاقب ويلعن مخلوقاته، أو يأمر بايقاع القصاص بها، وليس ذلك كما سبق القول إلا من بقايا الفكر البدائي . ان الصاق صفة سلطة العقاب والجزاء بالمقدس، سوّغ لطبقة الكهنوت والاقطاع تمرير معاقبة الأيدي العاملة تحت إدارتها، وعلى اعتبارها أرباب نعمتها وأعمالها. بمعنى آخر أن الطبقة البرجوازية من رجال دين وسلطة واقطاع أضافوا أنفسهم في قاموس الربوبية، مشاركين في تشريع العقوبات البشرية والتي من ضمنها قتل الحياة التي ليس لهم دور في منحها أو بعثها.

فلا غرو أن تعتمد مناهج التربية التقليدية المتوارثة العنف كأداة تربوية، من باب توظيف الشيء للوصول لنقيضه. وهو ما لا يقتصر على جماعة أو ثقافة دون غيرها، كما في الاسلام، الذي يأمر باستخدام الضرب في حالتين:
- ضرب الطفل إذا رفض أداء طقوس الصلاة أو الصوم.
- ضرب المرأة إذا خالفت رغبة زوجها في أي أمر، (اهجروهن في المضاجع واضربوهنّ..).

ناهيك عن عقوبات الجلد والرجم وضرب العنق وزهق الروح.
ان اقحام النص الديني في هذا الأمر، وصمه بما لا ينسجم مع روحانية الدين وخلُق المحبة، وشكل دافعاً إضافيا لتسويغ العنف وتشجيعه وانتشاره في باب العادات والأعراف الاجتماعية.. فإذا إضيف لذلك جملة نصوص تدعو لمظاهر عنفية مختلفة في القرآن والسنة والأحاديث والفتاوي، يظهر للعيان منهج متكامل للعنف الديني في مختلف مجالات الحياة، ما جعل مجتمعات كثيرة ضحايا ثقافة عصابية ونتاج تربية عنفية، تتعدى المظاهر المادية للعنف إلى دوافعه النفسية الممثلة بالكره والحسد والتنابز والتعالي.
ومن قاموس العادات والأمثال الدارجة المشجعة لثقافة العنف والمروجة له أورد بعض الأمثلة الغريبة والمحرجة في جداول المقارنة مع الأمم والحضارة..
- اضرب .. اضرب يا نقاوة عيني!..
- اضرب عصفورين بحجر..
- ضرب الحبيب.. مثل أكل الزبيب!..
- اللي يقول لمراته يا عوره.. الناس تلعب بيها الكوره..
- ضربني وبكى.. سبقني واشتكى..

ومن طريف ما يذكره أحدهم* أن عبارة (كيرياليسون) التي تتردد عند الأرثوذكس، والتي تترجم للعربية بمعنى (يا ربّ ارحم!)، انما هي إشارة إلى الجلدات التي ألهبت ظهر يسوع الناصري قبيل الصلب، وعددها تسعة وثلاثون جلدة، يضاف إليها إكليل الشوك وطعنة الحربة في جنبه، فيكون اجمالي العدد إحدى وأربعين، وهي عدد المرات التي تردد فيها عبارة (كيرياليسون) أثناء القداس الطقسي. وقد نهى يسوع عن الرجم في مقولته الشهيرة التي جرت مجرى المثل: (من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر!). والجلد والرجم من المظاهر العقابية في دين العبرانين مما انتقل في ديانة العرب.

ان ثقافتنا الاجتماعية والدينية تحرض بشكل مباشر أو غير مباشر على العنف، ولا زالت الأجيال العربية تتداوله وتتلقنه، رغم تغيرات تيار الحضارة والمدنية واتصال الكثير منهم بالغرب عبر الميديا أو حياتهم الفعلية في ديار الغرب، لكن عقولهم وأذهانهم ما زالت مربوطة معتقلة تحت ركام مئات بل آلاف السنوات من التخلف والجمود والمسخ.
ان الانسان مخلوق عاقل، ولم يمنح هبة العقل لتغييبها واستبدالها بالتلقين والتسليم الأعمى من غير تمحيص أو تجربة وتحقيق. يقول أحد الكتاب في مجال الدين، أننا اليوم أكثر ثقافة ومعرفة من الناس أيام ظهور الأديان، وهذا بحد ذاته مدعاة لاستخدام العقل والمعارف المتاحة في توجيه أفكارنا وسلوكنا اليومي والعام في المجتمع والحياة.
العقل والخلُق الرفيع يستدعيان امتحان كل شيء في الواقع من أجل توجيه المسؤولية في تحديد مواقفنا وتصرفاتنا، ليس بحسب التقليد، وانما بفعل الوعي والضمير الحي. ومن واقع الضمير أن لا نرضى لغيرنا، ما لا نرضاه لأنفسنا. فهل نفكر في ايذاء أحد بعد.. هذا هو السؤال!.
*
لندن
الخامس والعشرين من نوفمبر 2008



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* القمص مرقس عزيز خليل في كتابه (خواطر روحية من الأمثال الشعبية والكلمات الدورية)-ص76.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://al-ezidy.ahlamontada.com
 
العنف والمقدس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أقـــلام حـــرّة :: القسم العام :: مقالات-
انتقل الى: