تقرير واشنطن- إبراهيم غالي
مناظرة ساخنة ومعركة تشريعية جديدة يخوضها الكونجرس الأمريكي مع البيت الأبيض، بدأت يوم 7 يوليو الجاري وانتهت مبدئيا يوم الأربعاء الماضي بعدما رفض مجلس الشيوخ الأمريكي يوم الأربعاء الماضي مشروع قانون تقدم به مجموعة من الأعضاء الديمقراطيون يطالب بسحب القوات الأمريكية من العراق قبل حلول 30 ابريل المقبل.
وطلب المشروع بدء سحب القوات المقاتلة من العراق خلال الأيام الـ120 المقبلة بحيث يكتمل الانسحاب بحلول 30 ابريل 2008.
و رغم انضمام أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ إلى زملائهم الديمقراطيين خلال الأسابيع الأخيرة، لم يحصل هؤلاء على الأصوات الستين الضرورية لإجبار الرئيس جورج بوش على بدء سحب القوات الأمريكية من العراق.
وفي ختام مناقشة طويلة امتدت للساعات الأولى من الصباح حصل الديمقراطيون على 47 صوتا مقابل 52 للجمهوريين.
وكان مجلس النواب وافق الأسبوع منذ أسبوعين على خطة جدول زمني للانسحاب تشترط سحب القوات في موعد أقصاه الأول من ابريل 2008، وكرر الرئيس الأمريكي جورج بوش في عدة مناسبات أنه سيستخدم الفيتو ضد إي قانون يشتمل على جدول زمني محدد للانسحاب
حشد "ديمقراطي" وبوادر "انشقاق" جمهوري
استغل الديمقراطيون إجازة الكونجرس السنوية الرابعة بمناسبة عيد الاستقلال (2 ـ 6 يوليو) لعقد مؤتمر لمراجعة إنجازاتهم بالمجلس خلال الأشهر الستة الماضية، خاصة مع بروز العديد من الآراء الناقدة لهم باعتبارهم لم يحققوا أيا من وعودهم الانتخابية التي قطعوها على أنفسهم منذ فوزهم اوائل نوفمبر الماضي وحتى الآن. وبالتالي قرر الديمقراطيون الدفع نحو إحياء مناظرة كبرى مرة أخرى والضغط على بعض النواب الجمهوريين لمواجهة سياسة بوش في العراق، علاوة على بعض القضايا الأخرى التي تمس الداخل الأميركي.
وكما كان متوقعاً فقد بدأ الديمقراطيون بهذه الخطوة، حيث لم يؤد إرسال 30 ألف جندي إضافي إلى تقليل العنف أو دعم المصالحة السياسية، وبالتالي يعتزمان عرض قانون جديد لبدء انسحاب القوات الأمريكية على مراحل وإنهاء هذه الحرب بمسئولية. وهو ما يؤكد التصريحات التي أطلقتها نانسي بيلوسي رئيس مجلس النواب، وهاري ريد رئيس الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، بفشل سياسات الرئيس بوش في العراق.
ويسعي الديمقراطيون الذين يشغلون أغلبية بسيطة في مجلس الشيوخ، إلى استغلال الخلافات المتصاعدة بين نواب جمهوريين نافذين وبين الرئيس بوش من أجل تشكيل أغلبية في المجلس تمكنهم من التحرك بفعالية، مقارنة بالنقاشات السابقة التي دارت بالكونجرس في شهر مارس الماضي ولم تسفر عن شيء.
فالرئيس بوش يواجه خلافات داخل حزبه حول استراتيجيته في العراق، لاسيما وأن أحدث استطلاع للرأي أجراه معهد جالوب وصحيفة يو. إس.
توداي في 10 يوليو 2007، أظهر أن سبعة أمريكيين من كل عشرة يفضلون سحب كل القوات الامريكية من العراق بحلول أبريل المقبل، وذكر 62% من العينة أن الولايات المتحدة ارتكبت خطأ بارسال القوات للعراق. وهذه أول مرة تزيد فيها هذه النسبة عن 60% في ذلك الاستطلاع.
وربما تنضم الأصوات الجمهورية المعارضة، والتي بلغ عددها عشرة نواب، إلى الديمقراطيين للمطالبة إما بتحديد جدول زمني للانسحاب أو وضع خطة جديدة بديلة عن استراتيجية بوش. فالسيناتور عن الحزب الجمهوري وممثلة الحزب في لجنة الأمن القومي "سوزان كولينز" قالت: "هناك تراجع مستمر في تأييد استراتيجية بوش في العراق بين أعضاء الكونجرس. الرئيس يطالب بمزيد من الوقت للحكومة العراقية لإحداث الإصلاحات السياسية، لكن هذا لن يحدث فعدد جنودنا القتلى في تزايد والحكومة العراقية فشلت سياسيا ولم يتوقف العنف الطائفي. ولابد من تغيير حقيقي ورؤية جديدة بعد فشل سياسة بوش والتأكد من أن زيادة حجم قواتنا على المدى القصير لاستقرار بغداد وبعض المناطق هو سياسة غير ناجحة".
أما بيت دومينيتشي السيناتورالجمهوري عن ولاية نيو مكسيكو الذي أيد بل وشجع الحرب على العراق، وتذكر عنه يومية Congressional Quarterly أنه صوت بنسبة 94% مع الرئيس بوش منذ عام 2001، فيري أنه "من الضروري إثناء الرئيس عن رغبته في الاستمرار في حرب لا يؤيدها الرأي العام". ويتوقع المحللون أن يؤدي موقف دومينيتشي إلى انشقاق داخل الإدارة، خاصة وأنه يرى أن "الوضع بالعراق يسير نحو الأسوأ، ولابد من العودة لتقرير مجوعة دراسة العراق الذي يقول بأنه يجب أن تكون مهمة القوات الأمريكية فقط تدريب قوات الأمن العراقية وتقليل الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي لحكومة بغداد إذا لم تتمكن من تحقيق التقدم المنشود". ولا يطالب دومينيتشي بالانسحاب الفوري، لكنه مع وضع استراتيجية بديلة تؤمن عمليات القوات وتسمح لهم بالعودة للوطن".
في حين يشير السيناتور الجمهوري "لامار ألكسندر" إلي أن زيادة القوات لا يمثل برأيه استراتيجية، وقدم اقتراحا أمام مجلس الشيوخ في العاشر من يوليو بتبني توصيات مجموعة دراسة العراق التي تدعو إلى تغيير مهام القوات الأمريكية من الدور القتالي للدور التدريبي لقوان الأمن العراقية.
وأصبح السيناتور "جوردون سميث" أول جمهوري يعلن داخل مجلس الشيوخ يوم 11 يوليو أنه سوف يصوت لصالح قرار يقضي بالانسحاب نهائيا في 30 أبريل 2008. أما السيناتور "جون وارنر"، فقد ذكر بأنه من المتوقع هذا الشهر أن نرى اقترابا جديدا، بينما ذكرت السيناتورة أوليمبيا سنو "إنه من الواضح أننا عند مفترق طرق من الأمل والواقعية، وعلينا التعامل مع الواقعية، وهذا يشمل الرئيس". كما أيدت السيناتورة "إليزابيث دول" مقترح قرار يقضي بخفض عدد القوات الأميركية بالعراق. والسيناتور شياك هاجيل ذكر أن رأيه يتوقف على معايير التقدم التي رأى أنها ستكون ضعيفة.
وبهذا ينضم هؤلاء إلى كل من السيناتورين: ريتشارد لوغار وجورج فوينوفيتش، اللذان يعارضان سياسة بوش منذ عدة أسابيع.
فالأول وهو الرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس، أكد أمام مجلس الشيوخ على أن سياسة إرسال إرسال التعزيزات لا تملك فرصة للنجاح، وأوصى الثاني بضرورة الانسحاب من العراق. وقد أعرب الاثنان هذا الأسبوع صراحة بأن على أميركا أن تقلل حجم وجودها العسكري بالعراق وتدعم الجهود الدبلوماسية.
تقرير جديد يقوي شوكة الديمقراطيين
يستند الديمقراطيون في رفضهم طلب إدارة بوش تخصيص مبلغ 147 بليون دولار إضافية في ميزانية العام الجديد التي تبدأ في أكتوبر القادم وسعيهم إلى إقرار جدول زمني بالانسحاب ـ بجوار الفشل الأمني والسياسي بالعراق ـ إلى تقرير حديث أصدره مركز "خدمة أبحاث الكونجرس Congress Research Service" يوم 28 يونيو الماضي، تحت عنوان "تكلفة حرب العراق وأفغانستان والحرب على الإرهاب منذ 11/9".
حيث يذكر التقرير أن الكونجرس وبعد إقرار ميزانية العام 2007 في 25 مايو الماضي، قد خصص مبلغ 610 بليون دولار لأغراض تتعلق بالحرب منذ 11 سبتمبر 2001، كان نصيب تكلفة الحرب على العراق منها 450 بليون دولارا بنسبة 74%. وينوه التقرير إلى أن تكلفة رفع قدرات القوات تصل إلى 1.9 بليون دولار شهريا في أفغانستان ونحو 10 بليون شهريا في العراق. ناهيك عن التكلفة الثانوية للأمور الأقل أهمية في هاتين الحربين.
ويورد التقرير أنه قد تم تخصيص 165.8 بليون دولارا لوزارة الدفاع "البنتاغون" في ميزانية العام 2007، بزيادة قدرها 40% عن العام 2006، ولوزارة الخارجية 6.3 بليونا خصصت للعراق وأفغانستان وتمويل عمليات خارجية ودبلوماسية. ورغم هذا الارتفاع الكبير إلا أن القوات الأميركية لم تستطع فرض الأمن في بغداد وفي محافظة الأنبار التي سيتكلف حفظ الأمن بها 5.6 بليون دولارا حتى نهاية سبتمبر القادم.
ويؤكد التقرير أن الكونجرس إذا وافق على طلب الإدراة تخصيص مبلغ 147 بليون دولار في ميزانية عام 2008، فإن فاتورة الحرب على الإرهاب منذ 11 سبتمبر سوف تتجاوز 758 بليون دولار (أكثر من ثلاثة أرباع تريليون دولار) استحوذت العمليات في العراق منها نحو 567 بليون دولار (أكثر من نصف تريليون دولار) ، وأفغانستان 157 بليونا، وتعزيز الأمن الداخلي 29 بليونا، ونفقات غير مدرجة "مخصصة" 5 بليونا. ووفقا لذلك يشير التقرير إلى أن بعض النواب الجمهوريين مثل لوغار ودومينيتشي ربما يقودان معركة ضد زيادة مخصصات تمويل الحرب في يوليو الجاري.
بوش والديمقراطيين .
ملامح "فيتو" جديد
بالرغم من معارضة الديمقراطيين وارتفاع تكلفة الحرب في العراق، فإن البيت الأبيض والكثير من الجمهوريين يعارضون اقتراحات الديمقراطيين بالربط بين ميزانية الدفاع أو زيادة مخصصات تمويل الحرب وبين تحديد جدول زمني لانسحاب القوات من العراق. فالرئيس يرفض خيار الديمقراطيين من جانب، ويراه نواب جمهوريون من جانب آخر مناورة سياسية لإثبات الذات لن تثمر عن شيء في الحاصل الأخير إلا ترك العراق لتنظيم القاعدة والجهاديين.
فالرئيس بوش أعلن عدم التراجع عن خطته لتعزيز الأمن في بغداد لأن هدفها في النهاية إعادة القوات الأميركية إلى الوطن، قائلا: "نتفهم أن حرب العراق صعبة على الشعب الأمريكي. ولكني مرة أخرى سأشرح تداعيات الفشل والنجاح". وأردف في كلمة ألقاها بشأن العراق يوم 10 يوليو قائلا: "إن ما يحدد الأمر هو رؤية الجنرالات للواقع على الأرض وليس ما يراه السياسيون في واشنطن". وطالب بإعطاء مزيد من الوقت حتى شهر سبتمبر القادم كي تؤتي خطته ثمارها.
وفي إطار السجال الدائر بين الكونجرس والبيت الأبيض، قام مستشارا بوش للحرب "جون دوجلاس لوت" و"هادلي ريد" مستشار الأمن القومي بزيارة لمقر الكونجرس "الكايبتول هيل" لتعبئة وحشد النواب الجمهوريين للتصويت ضد أي مشروع قرار يستهدف تحديد وقت محدد للانسحاب من العراق. وسوف يقدم البيت الأبيض تقريرا كما سيلقي الرئيس بوش خطابا في الكونجرس يوم 15 يوليو الجاري بشأن التقدم الذي أحرزته الحكومة العراقية في تعزيز الأمن والمصالحة السياسية، والذي من المتوقع أن يثير مزيدا من الجدل داخل مجلسي الكونجرس.
وفقا لما سبق، فإذا ما نجحت الإدارة في حشد الجمهوريين، فقد لا يستطع الديمقراطيون تمرير مشروع يحدد جدولا للانسحاب. وفي حالة نجاحهم كما حدث في شهر مارس الماضي حينما ربط الديمقراطيون بين تحديد مدى زمني لانسحاب القوات وبين تخصيص 99 بليون دولارا كنفقات عسكرية، فإن الرئيس قد يكرر الكرَة، ويستخدم حق النقض ضد مشروع الديمقراطيين، الذين قد لا ينجحون لدى إعادة التصويت في الحصول على موافقة ثلثي أعضاء الكونجرس، وتمرير مشروعهم بمجلس النواب الذي يقضي بسحب القوات الأميركية المقاتلة بنهاية أبريل 2008 على أن تبدأ الانسحاب بعد 120 يوما.
أسابيع الحسم
يمثل النقاش حول هذه الميزانية فرصة جديدة للديمقراطيين للتحرك لوضع نهاية للحرب على العراق وتقديم مقترحات وإجراء سلسة عمليات من التصويت بمجلس الشيوخ لتحديد موعد نهائي للانسحاب من العراق في الأول من أبريل 2008، أو كما تقول نانسي بيلوسي رئيس مجلس النواب بأن "شهر يوليو سيكون شهر الحسم والتحرك داخل الكونجرس بمجلسيه لإنهاء هذه الحرب وسحب قواتنا مع حلول الربيع المقبل"، الأمر الذي يمثل تحديا أمام استراتيجية بوش الجديدة بالعراق في جانبي تحصيص تمويل إضافي للقوات الأميركية، والسعي لمنع إقرار الكونجرس جدول زمني محدد للانسحاب.
وربما تذهب جهود الديمقراطيين سدى للمرة الثانية حول تحديد جدول للانسحاب إذا لم تحدث انشقاقات واسعة داخل الحزب الجمهوري في الأسابيع الثلاثة القادمة. ودون ذلك سوف يتم تأجيل الأمر مرة أخرى حتى منتصف سبتمبر القادم حينما يقدم القائد الميداني الأعلى والسفير الأمريكي في بغداد تقريرهما حول فاعلية خطة بغداد الأمنية التي أعلنها بوش في يناير الماضي، علما بأن إجازة الكونجرس الصيفية تبدأ في 6 أغسطس ويبدأ عمله في الأول من سبتمبر.
وربما لذلك لن يذهب الكونجرس حتى منتصف سبتمبر مدى أبعد من مطالبه باشتراط توفير ثلاثة ألوية عراقية مدربة لدعم القوات العراقية، والقضاء على سيطرة الميليشيات على الأمن المحلي وتقليل مستوى العنف الطائفي، وتبني قوانين لمشاركة العراقيين في موارد الطاقة واستكمال تشريع خاص باجتثاث البعث، وتخصيص 10 مليار دولار من العوائد العراقية لمشاريع إعادة الإعمار، والعمل على دعم الإصلاحات السياسية. وذلك كله دون التمكن من تمرير قانون يجبر الإدارة على سحب القوات الأمريكية وفق جدول زمني واضح.