كردستان الحاضرة الغائبة، إيزيدياً 3
هوشنك بروكا
11.03.2008
إيزيديو "كردستان النهائية": حقوقٌ بين الغياب والتغييب
أما في شنكال، جارية السيدة 140، التي سقطت في نكبتها الثلاثائية(14.08.07) وحيدةً، فتبدو اللوحة بشخوصها الإيزيدية التي تموت واقفةً، اكثر قتامةً.
شنكال، بحكم وقوعها ضمن المناطق التي تسمى ب"المتنازع عليها"، وبالتالي تابعيتها الإدارية إلى عراق المركز، باتت "شبه ضائعة" بين بغداد المركز، وهولير الإقليم.
وحتى بالنسبة إلى أولئك المسؤولين الإيزيديين(السابقين والراهنين) العاملين في صفوف الأحزاب الكردية، أو لدى بغداد وهولير، يكاد هناك طرحاً واحداً متفقاً عليه، وهو أن "حقوق الشنكَاليين وشنكَالهم"، ضاعت بين العراقين: عراق بغداد، وعراق هولير.
والذي يبدو للقارئ العادي، فضلاً عن القارئ المختص للخريطة السياسية لعراق السيدة 140، كردياً، هو ان الأخطاء القاتلة التي وقعت فيها الحزبان الكرديان(الإتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني) في شنكَال، هي التي دفعت هذه الأخيرة وشنكَالييها إلى المزيد من الخطأ، والمزيد من الإستغراق في "غيّهم".
ردة الفعل الإيزيدية في شنكَال، راهناً، والتي يمكن اختزالها في دعوة البعض الغير قليل من إيزيدييها، إلى الهروب من "القومية الأصل"، أي القومية الكردية، والتاريخ الكردي، والجغرافيا الكردية، والثقافة الكردية، واللسان الكردية، إلى طوباوبة "القومية الإيزيدية"، و"اللسان الإيزيدي"، و"المكان والزمان الإيزيديين"، أعيدها بالدرجة الأساس، إلى فشل السياسات الكردية، وحكوماتها المتعاقبة، للآن، في "تبني" الإيزيديين وقضاياهم و"ما لهم وما عليهم"، كردياً، وبالتالي، غياب مشروع سياسي، كردي، واضح المعالم، في استراتيجية هذه الأحزاب، لحل مشاكل الإيزيديين المستفحلة، وقضاياهم القائمة والعالقة، في إطاره.
في البدء، إبان وبعد تحرير المناطق الإيزيدية، كنتيجة طبيعية لتحرير كل العراق من سلطة ديكتاتورها الأوحد صدام حسين(09.04.03)، بشرّ الجمهور الإيزيدي خيراً، كغيره من جماهير العراق في الشمال والوسط والجنوب. وصلّوا لجهة كردستان، بإعتبارها "وطناً قريباً قادماً"، يجمع مكانهم وزمانهم وثقافتهم ولسانهم.
كردستان قالت للإيزيديين صوّتوا للدستور فصوّتوا ب"153 ألف صوت"، وهو الأمر الذي أنجح الدستور تاريخئذٍ. وحسب بعض الإحصائيات، "لو قال نصف الايزيدية، آنذاك، لا للدستور لسقط بالثلثين في محافظة نينوى، ولرجع العراق الى نقطة الصفر في العملية السياسية".
وكذا في الإنتخابات البرلمانية العراقية (15.12.2005)، صوّتَ الإيزيديون لقائمة "التحالف الكردستاني"، ملبّين نداء كردستانهم، شنكَالئذٍ، بحوالي "110 ألف صوت"، ومع ذلك لم تتكرّم قيادة "القائمة الكردستانية"، آنذاك، على إيزيدييها، ولا ب"نصف مقعد" من مجموع مقاعدها ال "54". علماً أنهم كانوا قد وُعدوا من جهة القيادة ذاتها، أكثر من مرة، بأكثر من مقعد، في حين كان من حق الإيزيديين، حسب أرقام حصاد أصواتهم، "3" مقاعد برلمانية، على أقل تقدير.
وكانت النتيجة، أن خرج الإيزيديون، من مولود "بغداد الكعكة"، أي "بغداد البرلمان"، و"بغداد الحكومة"، و"بغداد الديبلوماسية"، بلا حمص، ولا هم يحزنون.
في سياق الحديث عن "أخطاء" الحزبين، وتحملهما للجزء الأكبر من المسؤولية، عن راهن الإيزيديين "المغيُبين"، يقول الوزير السابق جميل خدر عبدال: "على القائمين على قيادة الحزبين، أن يعلموا تمام العلم، أن الازديين هم أكرادهم وأهلهم. فالإيزديون، هم الذين نجّحوا الدستور وأخرجوه الى النور، ولولا أصواتهم، لما كنا رأينا الدستور الحالي الدائم للعراق، الذي يحمل في طياته جلّ مطالبنا المشروعة، والتي قدم الشعب الكردي من أجلها، أنهاراً من الدماء".
فيتساءل الوزير أين هو دور الإيزيديين في "الفوق المتنفذ والحاكم"، مقارنةً مع ما قدموه؟
أما الكاتب أديب جه لكي، فيصف "تبريرات" التحالف الكردستاني و"حججه"، لدى "تغييب" الحقوق الإيزيدية في بغداد وكعكتها، ب"التبريرات المرفوضة"، ويتساءل قائلاً: "لماذا لم یضعوا اسماء مرشحي سنجار فی اول القائمة إذن؟"
ويصف جه لكي خطوة التحالف ب"تعيين برلماني من إيزيديي سنجار محل أحد المنسحبين" ب"الحل المـتأخر جداً"، لأن "هذه الثغرة استُغلت شر استغلال من قبل ازلام البعث وبقیة اعداء الشعب الکردستاني".
ويتأسف الشاعر جه لكي، لهذا "الخطأ المستمر" قائلاً: "وللأسف لم یقم الحزبان بجبران هذا الضیم للایزدیین، وذلك بتخصیص حقائب وظیفیة فی الجهاز التنفیذی للحکومة فی بغداد، بحیث خلت بغداد تقریبا من الموظفین الایزدیین".
ويذهب اللواء حسين مرعان، أبعد من سؤال الوزير، واصفاً الحقوق الإيزيدية، لا ب"الغائبة والمغيبّبة" فحسب وإنما أيضاً ب"المنتهكة"، فيقول: "صحيحٌ أن الكوادر الإيزيدية المحسوبة على الحزبين الرئيسيين قد حصدت بعض المناصب والمكاسب الشخصية، ولكن الحقيقة، هي إنّ حقوق الإيزيديين في العراق عامةً وكردستان خاصةً، ليست غائبة ومغيّبة فحسب، بل منتهكة. فالحكومة المركزية غير مبالية أصلاً بحقوقهم، أما حكومة الإقليم فهي الأخرى غير جدية في تحقيقها".
وهو الأمر الذي أدى بالبعض(الكثير نسبياً) إلى الإعتقاد بأنه "منذ الإنتخابات العراقية الأخيرة، لم يتغير اي شئ للافضل ولم يحصل الايزيديون على اية حقوق بل حصلت كوارث يندى لها جبين البشرية بسبب اهمال مشاكلنا وتهميش دورنا ومطالبنا واحتياجاتنا وترك مشاعر الاحتقان تنخر في عظام اهلنا في العراق"(د. ميرزا دنايي).
أما العضو في لجنة متابعة المادة 140 في الشيخان كريم سليمان، يرى أن العقبة الكبرى أمام "غياب حقوق الإيزيديين، هي المادة 140، حيث "85%" من مناطق سكنى الإيزيديين، لاتزال "مجهولة المصير"، وترزح تحت سوط "الإزدواجية الإدارية".
وفي الوقت الذي تتهرّب و "تتنصل" بغداد عن مسؤولياتها الملقاة على عاتقها تجاه هذه المناطق وإيزيدييها، حيث "الرياح تجري بما لا تشتهي سفن الإيزيديين" حسبما يقول السيد سليمان، فأنه "يتمنى من القيادات الكردستانية أن تتفهم الوضع الإيزيدي، رغم إنه على ثقة بأنها(قيادة البارتي الديمقراطي الكردستاني، بخاصة) نجاة الإيزيديين، والطريق المثلى، للوصول إلى حقوقهم".
وفي ذات الوقت الذي يكادُ يكون هناك رأيٌ واحد متفق ومجمَع عليه، يكمن في أن شنكال إضافةً إلى المناطق الأخرى التي ترتبط مستقبلها المصيري، بتطبيق المادة 140، هي ضحية "الإزدواجية الإدارية"، حيث تضيع الحقوق بين بغداد وهولير، فإنّ هناك من يذهب أبعد، بإعتبار حقوق الإيزيديين الواقعين تحت "عصا" المادة 140، "الحقوق الضحية" ل"الإزدواجية الحزبية" أيضاً.
يقول اللواء حسين مرعان، المسؤول عن الإتحاد الوطني، في شنكَال سابقاً: "عايشت هذه المرارة، شخصياً، أيام كنت مسؤولاً هناك، كانت مشاريع إمداد المياه إلى المدارس(مجمّع بورك)، وتأمين مياه الشرب للمواطنين، وتقديم خدمات صحية إلى مستوصفات شنكَال(12 مجمّع)، إضافةً إلى الخدمات الأخرى، تلقى بالرفض الأكيد، من جهة الديمقراطي الكردستاني، لمجرد كون هذه الخدمات مموّلة من اليكيتي. فالإيزيديون، هناك، هم في الحقيقة، ضحية لإزدواجيتين: الإزدواجية الحزبية، حيث يتصارع الحزبان على النفوذ، والإزدواحية الإدارية، حيث تتصارع بغداد وهولير، ويضيع الإيزيديون وتطير حقوقهم، بين إدارتيهما".
ذات الغياب الإيزيدي عن الحقوق، وذات الضياع بين العاصمتين هولير وبغداد، شغل بعضاً من رأي الكاتبة عروبة بايزيد، حين تقول: "أحد الاسباب التي تؤدي الى عدم نيل الايزيدية لحقوقهم أسوةً بباقي أبناء الوطن الواحد، هي أننا عندما نطالب بحقوقنا، يُقال لنا انكم مع الحكومة المركزية، التي هي ملزمة بالنظر في حقوقكم ، وعندما نطالب بحقوقنا من حكومة الاقليم ، فالجواب يكون على العكس تماماً، فحقوقنا ضاعت بين الحكومتين".
فالايزيديون في مناطق "السيدة" 140، على وجهٍ أخص(حسبما يقول الكاتب شفان شيخ علو)، "محرومون من حقوقهم، وهم لا يلقون الدعم اللازم من الحكومة الكوردية المتمثلة في البارتي واليكتيي، لنيل حقوقهم من المركز. بل على العكس، إذ يشعر بعض القادة الأكراد، بالحذر الغير مبرر تجاه الايزيديين، لأنهم، على ما يبدو، يبحثون عن اتباع وليس عن فرسان. أما البعض الآخر منهم، فهم من حيث يدرون او لايدرون، يعبرون عن نظرة غير ناضجة تجاه الايزيدية" ويرى الكاتب في هذا المسعى "قصوراً، في الفكر القومي الكوردي المعاصر".
في حين أن السيد زيدو باعدري "يحمّل" المسؤولية المباشرة عن أي "فشل محتمل" للمادة 140 في المناطق الإيزيدية، "على مركز لالش والمقيمين عليه، لأنهم لم يكونوا بمستوى مسؤولياتهم التاريخية"، ويصف "الفشل" فيما لو حصل، ب"سايكس بيكو" جديدة، ستُرتكب بحق الأكراد وكردستانهم.
الناشط علي سيدو يرى أيضاً من جهته، بأنّ الحقوق الإيزيدية هي ك"طاسةٍ ضائعة" لا مستقبل لأبنائها الضائعين وحقوقهم المضيّعة بين ازدواجيتين: الإزدواجية الحكومية بين بغداد وهولير، والإزدواجية الحزبية بين الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني، حيث يقول: "فلم تستفد من الحكومة المركزية بشيء، بينما دفعتهم حكومة كردستان ليكونوا من جديد هدفاً لكل من له غرض معين وفتحت شهيتهم من خلال التركيز الاعلامي على بعض ما حصل وخاصة في موضوع الفتاة دعاء خليل، مغطية بذلك على ماحصل هناك من انتهاكات، وما ذكره تقرير وزارة حقوق الانسان في كردستان عام 2007. وما حصل في الشيخان في 15 شباط/2007". إلا أن سيدو يقلب الطاولة، من الجهة الأخرى، على كل من يبرر "ضياع" أو "تضييع" حقوق الإيزيديين، بما تسمى ب"الإزدواجية الإدارية"، أو يراها سبباً أساساً في تردي الوضع الإيزيدي، في المناطق الواقعة تحت رحمة السيدة 140؛ فهو بحكم "أصوله الشنكالية"، ونشاطه السابق في شنكال وأخواتها، يرى بأنّ: "الاحزاب الكردية تقف سلباً وراء أي وضع يحاول إصلاح الواقع الإيزيدي، مستفيدين من عددهم وجغرافيتهم وخيرات مناطقهم التي تزيد على خيرات جميع ارجاء المناطق الكردية، وفي نفس الوقت تدعي بعدم عائديتها لهم. ولنلقي نظرة على الوظائف في سنجار مثلا (85% منهم إيزيديون): فمديرو الأمن والاستخبارات والمخابرات والبلدية والمال والزراعة ورئيس المجلس البلدي ووكلاءهم، جميعاً من دهوك أو ممن تم تعيينهم من قبل قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، ويشهد الله هنا لا أقصد الفرق الديني، وكنت أتمنى أن يكون القائمقام أيضا من دهوك لانه كان سيخدم المنطقة بشكل أفضل".
ذات الرأي أو قريباً منه، يذهب إليه رئيس تحرير بحزاني نت الكاتب سفو قوال سليمان أيضاً، فهو يصف شنكال ب"المحتضرة"، و"المهمشة المغيّبة، لكأنها تعيش في القرن التاسع عشر"، و"الغارقة في سباتها"، و"المعلقة بين بغداد وأربيل". أما السبب الأساس لكل ذلك راهناً، بحسب قوال سليمان، فهو "تحكم بارونات أربيل وحكامها بكل المنافذ المحيطة بسنجار، وتحكمهم الفعلي بمحافظة نينوى"، فهؤلاء، هم "المسؤولون المباشرون عن تجويع سنجار وأهلها، لأنهم يتحكمون بغالبية مفاتيح أمنها، ويتركون خاصرتها مفتوحةً، لخروج ودخول انصار السنة الدمويين منها وإليها".
فعلى الرغم من القيام والقعود الكرديين الفصيحين، لشنكال ماضياً وراهناً، حيث "قبل مايقرب الاربعين عاماً، انتفضت سنجار كردياً، لتعلن أنها الطرف الأساس والمهم في بناء الحلم الكردي، وعلى اثرها خسرت الكثير الكثير، حيث الجرافات لم تبقِ طابوقة طينية واحدة في اكثر من 200 قرية، وتم اقتياد السنجاريين إلى مجمعات قسرية، فضلاً عن الانتقام المنظم الذي مورس بحقهم ، وآخر الإنتقام، كان مشروع التطهير العرقي الذي لم ينفذ بفعل الظروف الاخيرة للعراق ، حيث كان هذا الأخير يرمي الى مسح سنجار بالكامل، من الخريطة العراقية، وبالتالي نقل اهلها جنوباً، وتوزيعهم على القرى العربية بغية صهرهم قومياً"(سفو قوال سليمان). رغم هذه الكردية الفصيحة، التي انتفضت شنكال لها، وخسرت الكثير لأجلها، فإنّ "هولير وحكامها(والكلام للكاتب سفو) مستمرون في تهميشهم لسنجار وتغييبها، وبدلاً من أن يعيدوا النظر في حقوقها المغيّبة، وأن يلتفتوا لمحنة أهلها، هم مستمرون وساعون لإقتناص المزيد من الفرص لصالحهم الخاص، دون أن تتحرك مشاعرهم أو يرجف لهم جفن".
شنكَال(وأخواتها) ما قبل وإبان وبعد التحرير ببضع وعودٍ، وقفت إلى جانب كردستان، وأرادت لها ما أرادته لنفسها أن تكون.
شنكَال الجبل الصعب، والتمرد الصعب، والهروب الصعب، والمنفى الصعب، والموت الصعب، ثارت لكردستان في غضبها، وصلّت لجهتها في "دفاتر إيمانها"، وغنت لإسمها في أغنيتها.
أما اليوم، حيث "البرلمانات السهلة"، و"الحكومات السهلة"، و"التحالفات السهلة"، فلا مكان لشنكَال في "جيوب" كردستان و"حرير" هولير عاصمتها، مثلما ليس لهذه الأخيرة بعض طريقٍ، تؤدي إلى بعض مكانٌ في قلبها.
عوداً على بدء، حيث البحث عن "السؤال الضائع"، كردياً، بخصوص "الحقوق الضائعة"، أو "الغائبة"، للإيزيديين "الضائعين الغائبين"، أو "المضيّعين المغيّبين".
بحسب استطلاعات الرأي التي شارك فيها الزملاء، كان الجواب الأكبر والأكثر(حيث أقرّ الغالبية العظمى، على اختلاف جهاتهم، ب"غياب" أو "تغييب"(قليلاً أو كثيراً) الحقوق الإيزيدية في كردستان) على السؤال المفصلي، الآنف الذكر:
نعم، كردستان الكيان حاضرةٌ، فيما الإيزيديون وحقوقهم غائبون عنها أو مغيّبون.
بمعنى، أن في كردستان المتحققة، راهناً، ك"وطن نهائي"، إيزيدياً، لم تتحقق الحقوق الإيزيدية، كمواطنين "منها وفيها"، أسوةً بسائر أبناء جلدتهم الكرد.
ويمكن تقسيم هذا الجواب الكبير الكثير، بحسب درجة الغياب (أو التغييب) لحقوق الإيزيديين، المشار إليها من جهة الباحثين عنها، إلى ثلاثة أنماط أو مستويات من الأجوبة:
الأول: كلا(كبيرة)، أي أنّ الحقوق الإيزيدية، مقارنةً مع الفئات والجماعات الأخرى في كردستان، لا هي ب"غائبة" ولا ب"مغيّبة".
الثاني: "نعلا"(دمج نعم+كلا)، بمعنى: نعم، هناك بعضاً من الغياب لحقوق الإيزيديين، كردستانياً...ولكن هناك في المقابل حضورٌ مقبول للحقوق ذاتها(نعم صغيرة+ولكن كبيرة).
الثالث: نعم(كبيرة)، أي أنّ حقوق الإيزيديين المفترضة، هي غائبة ومغيبة في آنٍ، إلى درجةٍ جداً كبيرة.
من الجدير ذكره، هو، أنّ هناك من يرفض الرأي القائل ب"غياب" الحقوق الإيزيدية، ويصوّرون الحالة الإيزيدية "جزءاً نتيجةً"، من الحالة الكردستانية عامةً. فخلا الممتنعين عن الإجابة على أسئلتي في هذا الخصوص، والمقاطعين لها، كان بين الزملاء(القليلين) الذين استطلعنا آراءهم، ممن يعتقدون ب"خطأ" مقولة "غياب الحقوق الإيزيدية"، في كردستان، ويرون "أنّ المجمعات الإيزيدية(شاريا نموذجاً)، هي من افضل المجمعات في اقليم كوردستان لابل العراق بما يحظى من خدمات اقتصادية واجتماعية وثقافية، بما تتوفر فيه من موْسسات مدنية، مدارس ، دور صحة، اتحادات نسوية، مراكز ثقافية، فرق فنية، تعبيد الطرق، اضافة الى المسح الجمالية من تشجير المجمع وتشييد حديقة عامة تتناسب وحجمه"(يُنظر رأي الكاتب مراد مادو).
في حين أن الكاتبة عروبة بايزيد ترى(بعكس السيد مادو)، "ان حال الايزيدية اليوم لايسر عدواً او صديق فنحن مهمشين الى ابعد الحدود من قبل الحكومة المركزية وحكومة الاقليم. (...) لنا من الحقوق والواجبات، مانستحقة، ك(كل العراقيين). لكننا للأسف الشديد لم نحصل ولا على نسبة ضئيلة من حقوقنا المستحقة، ويوماً بعد آخر، يزداد الطين بلةً. فأبسط حقوق المواطنة، كمواطنين لانمتلكها نحن .. وإلا فما هو تفسير أن لايستطيع اي مواطن ايزيدي، أن يذهب الى مدينة الموصل؟!"
وفي الوقت الذي يرى فيه الوزير السابق السيد جميل خدر عبدال، أن "مستوى الخدمات التي قدمت إلى المناطق الإيزيدية المحررة ابان انتفاضة 1991، لاتقل ابداً، عن باقي المجمّعات التي يسكن فيها غير الإيزديين"، نرى القاضي الأستاذ زهير كاظم عبود يرفع صوت "المواطنة الإيزيدية المنقوصة"، وصوت "الحقوق الإيزيدية اللامتساوية مع الآخر في العراق وكردستانه"، في صوته، حين يقول عالياً:
"أن الأيزيدي لايتساوى مع الآخر بتلك الحقوق (...) فأن الأيزيدي مطارد ولايمكن له أن يطمئن على حاله في أية مدينة عراقية، غير تلك البلدات المتواضعة التي يسكنها ، وفي كوردستان حيث تكون النار تحت الرماد، وتتربص بهم نفس العقول التي كانت تهاجمهم بأسم الدين والتكفير وبأسم الله ، لايوقفها سوى الموقف الرسمي والقوة ريثما تتوفر لهم الفرصة حتى يتم غرس تلك المخالب والأسنان في الجسد الأيزيدي. (...) تكافؤ الفرص حق مكفول للجميع ، الا الأيزيدي فأن حقه منقوص ومواطنته تكتنفها العديد من الشروخ".
وترى المحامية عالية بايزيد، أن ثيمة "المواطنة" في العراقَين هي "مؤجلة"، وأن الإيزيديين لم يحصلوا من عراق المركز وعراق الإقليم، سوى على "بعض المكتسبات اليتيمة لمجرد جبر الخواطر"، من دون أن تكون هناك "أية خطوة، في اتجاه تحقيق مكسب عام لليزيدية".
وفي سياق حديثها عن محنة الطلبة الإيزيديين في الموصل(نموذجاً للتهميش)، تتابع الكاتبة عالية بايزيد شكواها المفتوحة على أكثر من سؤال، قائلةً: "من يهتم بهم، وهم يعدون بالعشرات، اغلبهم اضطر إلى ترك دراسته، ولملمَ جراحه وهاجر من العراق، ليجرّب معاناة من نوع آخر، اقل ما فيها هو الاغتراب بشقيه الجسدي والفكري، فهل هناك من يتبجح ويقول أن اليزيديين لايعانون وغير مضطهدين؟"
د. ممو عثمان، يعيد السبب الأساس في "غياب" مفهوم المواطنة، عراقياً، إلى "الدستور العراقي(...) الذي يركّز على الدين بالدرجة الأولى، ثم الأثنيات، والحسينيات، ومن ثم العشائر والقبائل. لكن، كان من المفروض والأولى به، ان يركز على حريات الفرد المتنوعة، بغض النظر عن إنتمائه الديني او المذهبي، وطبعاً بناءً على مبدأ المواطنة". (...) الخلل أو نقطة الضعف الأساسية في الدستور العراقي، تكمن في تصنيفه للشعب العراقي، وفقاً لخانات طائفية، وإثنية أو عرقية، ما يضعف من مفهوم الوطن والوطنية، ويقوّي من شعور الإنتماء إلى عراقات كثيرة، بدلاً من العراق الواحد، المبني على حقوق الفرد، لا على حقوق الجماعات".
والحال، ف"الحقوق بمعناها العام ووفقاً لما وردت في الدستور – على الأقل في العراق وكوردستانه – لم تزل قاصرة على العموميات ، فالناس متساوون في الحقوق والواجبات"(ينظر رأي الزميل زهير كاظم عبود).
بمعنى، أن صياغة دستور "متقدم" على مستوى الحقوق، وتحقيقه على الورق، لا يعني بالضرورة، "تحقيقاً" لتلك الحقوق، في الواقع والمعاش.
تتمة المقالة في الاسفلتتم