كردستان الحاضرة الغائبة، إيزيدياً 2
هوشنك بروكا
10.03.2008
إيزيديو "كردستان النهائية": حقوقٌ بين الغياب والتغييب
فيما لو أغضضنا النظر عن "عراق بغداد" أو عراق المركز، سابقاً وراهناً، ونظرنا إلى كردستان، بإعتبارها "وطناً نهائياً" للإيزيديين، فسوف نجد أن كردستان الجنوب هذه، هي منذ انتفاضة أكرادها 1991، عبارة عن بعض وطنٍ، يحدث، ويقوم ويقعد، ويشرّع وينفذ، ويأخذ ويعطي، طيلة 17 عاماً من الزمان والمكان، حتى صارت "وطناً" واقعاً(قليلاً أو كثيراً)، لأكرادها و"لاأكرادها".
عملياً، هناك كيان كردي قائم، أو "دولة ضمن دولة" قائمة، حيث "كردستان البرلمان"، و"كردستان الحكومة"، و"كردستان الجيش"، و"كردستان المخابرات"(باراستن في هولير+زانياري في السليمانية)، و"كردستان الحزب"، حيث هذه الأخيرة هي "كردستان الفوق"، المدبّرة، الآمرة والناهية لكل "الكردستانات" الأخرى، والأكبر من كلها مجتمعةً أيضاً.
بعدما تحققت كردستان في الجنوب من أكرادها، بات هناك، إيزيدياً(على مستوى هذه القراءة)، سؤال يفرض نفسه، بقوة، على كردستان التي تحضر وتغيب في وجود إيزيديين "تحت الطلب"، بقدر ما يفرض نفسه على الإيزيديين أنفسهم، "الحاضرين الغائبين"، في كردستانٍ تغيب عن الحقوق وتحضر، "تحت الطلب"، وذلك حسب الصلاة السياسية، لجهة هذه القبيلة أو تلك، أو ل"قبلة" هذا الحزب أو ذاك. والسؤال المفترَض بإلحاحٍ، هو:
هل يمكن الذهاب فعلاً، إلى أنّ كردستان حاضرةٌ في إيزيدييها ك"وطن"، فيما الإيزيديون وحقوقهم عنها غائبون(أو مغيّبون)، حسبما يُشتكى، ويُقال، هنا وهناك؟
على مستوى العامة من الناس، يمكن من خلال ردود الفعل الشعبية، على صعيد الشارع الإيزيدي، إزاء حكومة الإقليم وسياساتها، القول بأن كردستان الراهنة، "ليست بخير". فهي، على حد قول الشارع الراهني، أنها لم تثبت نفسها(بحسب الشكوى الإيزيدية القائمة الدائمة)، للآن، بأن تتحوّل إلى "وطنٍ نهائيٍّ" لإيزيدييها. لدرجةٍ، باتت "فرصة العمر" أمام الإيزيديين(بنسبة كبيرة لافتة، مقارنةً مع سواهم من أهل البلد)، لا سيما الفئات العمرية الشابة، هي الخروج "الخارج على الندم" من كردستان، بأيّ ثمنٍ كان. فهم يسعون إلى تأسيس "كردستانهم" في الخارج(الغرب حصراً)، بدلاً من الحفاظ على كردستانهم في كردستان نفسها. هم يهربون من كردستان الداخل المتحققة، إلى كردستان الخارج المفترضة.
وهؤلاء الإيزيديون "الهاربون" من كردستان إلى المنافي/ الأوطان الإختيارية(كردستان المؤجلة)، يكادون يتخذون من تلك البلاد القصّية، الكائنة في الغرب القصيّ، وثقافاته القصيّة، "أوطاناً جديدةً"، بعيدةً، لأحلامهم التي طالما دفعوا لأجلها الغالي والنفيس، في الزمان الكردي الصعب وكردستانهم الأصعب.
على مستوى "دستور كردستان" الذي لم يصادق عليه بعد، وعلى مستوى قانونه المدوّن على الورق، "الكل متساوون أمام القانون"، و"لا فرق بين مواطنٍ وآخر، إلا بالتقوى المواطنية"، و"لا يد تعلو فوق يد القانون أو القضاء"، وسوى ذلك من "القوانين المدنية، العصرية، الحديثة"، المدوّنة في "الدستور الكردي الحديث"، ولكن السؤال، هو: هل هناك ترجمة فعلية في الواقع، لهذه القوانين والدساتير العصرية جداً، كردياً؟
الكاتب أديب جه لكي، يعتقد جازماً بأنّ "فی حدود ادارة الاقلیم الحالیة، یستطیع جمیع المواطنین، علی اختلاف ادیانهم ومذاهبهم ان یطالبوا بکامل حقوقهم المشروعة دون قیدٍ او شرط. حیث یکفل دستور اقلیم کردستان – المعد منذ سنین والمقرر ان یجد النور هذا العام – حقوق الجمیع بصورة متساویة". وحسب علمه، "فان کافة حقوق الایزدیین التی اتفق علیها ممثلوهم، تم تثبیتها بحریة تامة فی دستور اقلیم کردستان". وهو الأمر الذي يعني، حسب جه لكي، أنّ دستور الإقليم الكردي، يضمن ب"دون أدنى أيّ شكٍّ"، أو "أيّ قيدٍ أو شرط"، حقوق الإيزيديين أسوةً بكافة أبناء كردستان ومكوناتها الإثنية والعرقية والدينية.
صحيحٌ أنّ دستور كردستان يقرّ ب"مساواة المواطنين أمام القانون في الحقوق والواجبات دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو اللون أو اللغة أو المنشأ الاجتماعي أو الدين أو المذهب أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي أو الانتماء السياسي والفكري"(المادة 18)، إلاّ أنّ للشارع أيضاً قانونه أو دستوره الخاصّ به، الذي يعلو فوق "الدستور العام" و"كردستان العامة"، و"أمنائها العامين"، في غالب الأحيان. وعلى حدّ رأي الأستاذ زهير كاظم عبود، فإنّ "الحقوق بمعناها العام ووفقاً لما وردت في الدستور – على الأقل في العراق وكوردستانه – لم تزل قاصرة على العموميات ، فالناس متساوون في الحقوق والواجبات ، ولكن المرارة يمكن أن تقف عائقاً أمام تحقيق تلك النصوص الدستورية عملياً ، ولنقل بصراحة وبصوتٍ عالٍ أن الأيزيدي لايتساوى مع الآخر بتلك الحقوق ، ومن أجل أن تصل الى مدينة ما عليك أن تعبأ سيارتك بالوقود ، أذ لايكفي امتلاكك للسيارة للوصول ، وورود نص يقرّ بالأيزيدية كديانة عراقية لايكفي دون وجود ثقافة يؤمن بها المواطن العراقي بغض النظر عن ديانته أو مذهبه أو موقفه السياسي".
والحالُ، فليس هناك أسهل من كتابة قانونٍ أو دستورٍ لأية مؤسسة، أو دولةٍ كانت، ولكن الأهم، هو خلق مؤسسة أو دولة تتمكن من تطبيق ذاك القانون أو الدستور. فالمهم هو أن تُطبَق المؤسسة أو الدولة عملياً، وفعلياً، لا أن تفصّل قوانينها ودساتيرها، نظرياً، أو ورقياً.
على الرغم من التظاهر، كردياً، ب"مدنية" و"مؤسسية" كردستان الراهنة و"علمانية" أحزابها الحاكمة، إلا أنّ واقع حال كردستان يقول، أن لا مؤسسة فيها تعلو فوق مؤسسة الدين والقبيلة، اللتان تختزلان وفقاً ل"ظروف المعركة الحساسة"، إلى مؤسسة الحزب، التي باتت هي الأخرى، أكبر من كردستان، وأعلى منها بكثير، حيث تتحكم في كل مفاصل مؤسساتها الأخرى، من المخابرات إلى الحكومة، مروراً بالبرلمان و"الجيش" والقضاء والصحافة وسواها من المؤسسات، المصنوعات، و"المدشنات" حزبياً بإمتياز، والتي تؤتمر بأمرٍ مباشرٍ من مؤسسة الحزب، وتوابعه، ومرفقاته.
"ثقافة الشارع" في العراقَين، هي أعلى وأكبر بكثير من "ثقافة القانون أو الدستور". فبالرغم من سعي القائمين على شئون كردستان، لتسويقها بإعتبارها "مكاناً واعداً، لإنتشار ثقافة الديمقرطية، وحقوق الإنسان والمجتمع المدني"، إلاّ أن كردستان بقيت في بعضها الأكبر والأغلب، مكاناً مستمراً، في الثقافة الماضية، والعشيرة الماضية، والدستور الماضي، والحزب الماضي.
فما فائدة وزارة حقوق الإنسان في كردستان(كأسطع مثال على وزارة لحقوقٍ على الورق)، في وقتٍ يسمح "قانون الشارع" ب"القتل الشريف" للمرأة، لأنها خرجت عن "شرف الرجل"، وقبيلته، لدرجةٍ أصبحت ظاهرة قتل النساء "مهنةً شريفةً"، يمتهنها رجال كردستان "الشرفاء"، لتحقيق المزيد من "الشرف".
فحسب تقريرٍ صادرٍ عن وزارة حقوق الإنسان(الكردية)، تعرضت 1108 امراة خلال العام 2006 في السليمانية الى عمليات قتل أو محاولة قتل وحرق وخطف وحالات أخرى. واظهر التقرير ان عدد النساء اللاتي انتحرن أو قتلن عام 2005 كان 289 امراة لكنه ارتفع الي 533 امراة عام 2006، وازدادت نسبة الانتحار بين الضحايا من 22% عام 2005 الى 88% عام 2006، كما ارتفعت نسبة القتل من 4% عام 2005 الي 46.3% في عام 2006"(تقرير وزارة حقوق الإنسان، أبريل/ نيسان 2007).
ما فائدة وزير ل"حقوق الإنسان" في كردستان، هو يعتبر ازدياد حالات انتحار النساء وقتلهن، "مسألة اعتيادية، تعيشها كل دول المنطقة"!!!
رداً على سؤالٍ "بخصوص تفاقم ظاهرة قتل النساء والعنف ضدهن في كردستان"، لصحيفة "زيوريخ الجديدة Neue Zürich Zeitung"(06.02.08) السويسرية، طرحته إينكَا رووت على وزير حقوق الإنسان في كردستان د. شوان محمد عزيز، يجيب الوزير "الحقاني": "هذه ظاهرة إعتيادية، تعيشها كل دول المنطقة...ولكن الإعلام يضخِّمها في كردستان!!!"
حسب تقارير رسمية سابقة، صادرة عن وزارة الصحة في الإقليم الكردي، فإن 1،95 إمرأة تُقتل أو تقتل نفسها في كردستان يومياً(تقرير آذار 2006). وهذا يعني بعملية حسابية بسيطة، أن 711.75 إمرأة تُقتل أو تقتل نفسها سنوياً، علماً أن النسبة ازدات في السنوات الأخيرة بشكلٍ خطيرٍ ومخيف، كما تقول تقارير وزارة حقوق الإنسان الكردية نفسها.
276 إمرأة قُتلن في دهوك وحدها خلال عام 2007 فقط، لأسبابٍ تتعلق بما تسمى ب"جرائم الشرف". وفي آخر خبرٍ طازجٍ نشرته صحيفة ميديا الهوليرية، قيل "أن في هولير العاصمة وحدها، تم قتل 7 نساء بشكلٍ مباشرٍ من قبل ذويهن، خلال إسبوعٍ واحد فقط". فأيّ وزيرٍ يمكن أن يكونه هذا الوزير، لأيّ حقوقٍ ولأيّ إنسان؟؟؟
ما أريد أن أصل إليه، وأقوله هو، أنّ "صون" الحقوق في الدساتير والقوانين "الورقية"، ب"كردستان الرسمية"، لا تضمن، للأسف، صوناً لذات الحقوق، في "كردستان الشارع"، المحكومة ب"قانون" القبيلة و"ثقافتها"، قبل "قانون الدولة".
فما فائدة وزارة للأوقاف والشئون الدينية في كردستان، بالنسبة للإيزيديين مثلاً، حيث ليس لهم فيها "شقفة" مديرية فعلية نشطة، كي تدير شئون دينهم ومعابدهم وعباداتهم، وأماكنهم المقدسة؟
ما فائدة مادة تعترف بالديانة الإيزيدية، وسواها من الديانات، في دستور كردستان(المادة السابعة)، في وقتٍ هي لا تستطيع حماية الإيزيديين ودينهم، من "إرهاب" البعض من متنفذيها الإسلامويين، كما حدث في "قيامة الشيخان"، في 14 فبراير/شباط 2007 مثلاً؟
ما فائدة تدريس مادة "الديانة الإيزيدية" أو أن يحفظ التلميذ الإيزيدي بعضاً من إلهه ودينه، في المدرسة، فيما "منتجات" عائلته في الشارع "تُحرّم" و"تُقاطع" و"تلعن" على الطالعة والنازلة، وفيما يمكن لزميله الآخر أن يطلق العنان لغضبته(كغضبة أي تكفيري إسلاموي يعلن الجهاد بها)، في أية لحظة، مختزلاً إياها في كلمتين(الله أكبر)، فيهما أكثر من تهديدٍ ووعيد، وأكثر من خطر، وأكثر من "قتلٍ محللٍ"، كما حدث في الشيخان مثلاً، التي قامت بمشاركة فعلية ملحوظة، من "الأطفال التكفيريين الجدد"؟
وما فائدة برلمانيين، محسوبين على الإيزيديين والدفاع عن مصالحهم، في وقتٍ، لا تسمح سلطته بتنظيم مظاهرة "رمزية"، سلمية، للتنديد بما وقع عليهم من إرهابٍ وتهديدٍ ووعيدٍ، شيخانئذٍ؟
ما فائدة "لجنةٍ رفيعة المستوى"، قيل أنها ستتقصى حقائق "إرهاب" الشيخان(كمثالٍ قريبٍ من كردستان القريبة)، ولم يظهر للعلن، إلى الآن، أية حقيقة، ولا هم يحزنون؟
تتمة المقالة اضغط الرابط ادناهhttps://aqlam.ahlamontada.com/montada-f16/topic-t103.htm#108.